الجمال ليس مجرد صفة نلصقها بالأشياء، بل هو تجربة وجودية تذوب فيها الحدود بين المادة والروح. عبر التاريخ، لم يكف الفلاسفة عن تقليب هذا المفهوم بين أيديهم كحجرٍ ثمين يلمع بوجه مختلف كلما نظرنا إليه من زاوية جديدة.
أزلية السؤال: هل الجمال في العين الناظرة؟
من أفلاطون الذي رأى الجمال انعكاسًا للحقيقة المطلقة، إلى ديفيد هيوم الذي أكد على ذاتيته المطلقة، يظل السؤال قائمًا: هل ثمّة معيار كوني للجمال؟ لوحة الموناليزا قد تثير الرهبة في نفوس الملايين، لكنها قد لا تعني شيئًا لعينٍ تبحث عن جمالٍ آخر – ربما في تعاريج لحاء شجرة عتيقة، أو في تعابير وجهٍ مجرّد.
في الشرق، نجد فن “الكينتسوجي” الياباني (إصلاح الكسر بالذهب) الذي يحوّل التشققات إلى مصدر جمال، بينما في الغرب، ظلّ الجمال عند كانط “متعة بلا غاية” تجربة نقيّة تنفصل عن المنفعة. لكن كلا الرؤيتين تلتقيان في نقطة جوهرية: الجمال قدرة على تحويل العادي إلى استثنائي.
هل ساعد عصر السوشيال ميديا: في إغتيال الجمال أم إعادة اختراعه؟
في زمن التصفّح السريع واللايكات، تحوّل الجمال إلى سلعة قابلة للقياس بعدد المشاهدات. لكن تحت هذه الطبقة السطحية، ثمة فنانون يخلقون أعمالًا ترفض الاستهلاكية الرقمية، مثل:
فن “البوبر آرت” الذي يسخر من ثقافة المشاهير.
وحركات “الجمال البديل” التي تحتفل بالتنوع البشري.
ربما يكون الجمال الحقيقي اليوم هو ما يزعجنا ويخرجنا من منطقة الراحة.
كأعمال بانكسي الجرافيتي التي تحوّل الجدران إلى مرايا تعكس قضايا المجتمع، أو شعر محمود درويش الذي يجعل من الكلمات منفىً ووطنًا – كلها تذكير بأن الجمال يمكن أن يكون سلاحًا ضدّ التسطيح.
في الخاتمة: اعتقد أن الجمال لغزٌ نعيشه لا نحلّه
كما كتب ألبير كامو: “الجمال لا يُطاق، فهو يجعلنا نتوق إلى الأبدية، ثم يتركنا عاجزين عن تحقيقها.” قد نختلف حول تعريفه، لكننا نتفق على أنه ذلك الوميض الذي يجعل الحياة تستحق أن تُعاش. الجمال ليس شيئًا نراه، بل شيء نمرّ به– مثل الحبّ، أو لحظة صفاء، أو سؤال فلسفيّ لا إجابة له.